السبت، ديسمبر 21، 2013

بداية الطريق ... نوح عليه السلام (2)






بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله صلي الله عليه وعلي اله واصحابه ومن والاه والله أكبر ولله الحمد

تكلمنا في الحلقة السابقة عن حكمة الله تعالي في ارسال الرسل مبشرين ومنذرين وان سرد هذه القصص كان لتثبيت قلب النبي صلي الله عليه وسلم كما قال تعالي ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك )

وكما قلنا ان أي داعي الي الخير ما هو الا سائر علي خطى ودرب وطريق الأنبياء

*  نبدأ بفضل الله تعالي بداية هذا الطريق وهو طريق نوح عليه السلام شيخ الأنبياء الداعية الأول -  كما أحب أن ألقبه – استمر عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما لون فيها لقومه الدعوة وفاوت بين الأساليب فمرة يخوف ومرة أخرى يبشر مرة يعدهم بنعم الله وأخرى يذكرهم بآياته تعالي واصل الليل بالنهار في تنفيرهم من عبادة الاصنام

***  وبعد دراسة دعوة الداعية الاول نوح عليه السلام في كل مواضع القران تبين لنا :

*  وصف الله تعالي من لم يؤمن بدعوة نوح عليه السلام بقوله ( قال الملأ من قومه ) والملأ هم الأشراف والسادة الذين امتلأت نفوسهم بحب الجاه والسمعة والرياسة وهم المترفون الذين قال الله تعالي في موضع آخر ( وما أرسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما أرسلتم به كافرون )

فعقبة الاصلاح منذ نشأة العالم والذين يحسدون كل داع الي الخير ويقفون حجر عثرة في سبيل دعوته هم الاشراف والسادة والمنتفعون – كما وصفهم الله تعالي –

*  المنتفعون الذين يحاربون الدعوة يصفون من يؤمن بها في قول الله تعالي علي لسانهم ( ما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا ) والاراذل هم الضعفاء في القوم وادناهم منزلة أو كما يقال انهم " قلة مندسة "

ووصف المنتفعون أيضا المؤيدون بأنهم ( بادي الرأي ) أي انهم ليس لهم رأي منساقين وراء الداعي كالقطيع او انهم مخطوفين ذهنيا – وسبحان الله نفس الاتهامات –
* ثم توالت الاتهامات علي نبي الله نوح عليه السلام فكان منها ( ما هذا الا رجل مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ) يرمونه بانه لا يريد بهذه الدعوة الا ان يتفضل علي الناس ويرأسهم – ما يريد الا السلطة -  وسبحان الله

* اتهام اخر اتهموا به نوح عليه السلام ومن معه ( وما نري لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ) او كما يقولون الان ماذا قدمتم لنا ونحن لم نري منكم شيئا – مع أن هناك الكثير – بل انهم لم يتركوهم ليبينوا لهم هذا الفضل بل كان الاتهام جاهزا وهو نعتهم بالكذب قبل ان يسمعوا منهم
* كانت علاقتهم بنوح عليه السلام ومن معه هي السخرية منهم ومن أفعالهم ( وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) كما نسمع الان الكثير والكثير من السخرية
* اتهام اخر للداعية الاول (انا لنراك في ضلال مبين ) ليتهم وقفوا عند رميه بالضلال بل ارادوا ان يفهموه ان ضلاله واضح يستطيع كل أحد أن يتبينه

* وسبحان الله الاتهامات ذاتها والشبهات ذاتها والكبرياء ذاته وصدق الله اذ يخاطب نبيه صلي الله عليه وسلم ومن بعده كل داع الي الاصلاح ( ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك )

** ولكن كيف قابل نوح عليه السلام كل هذه الاتهامات وكيف كان رده علي كل هذه الشبهات ( قال ياقوم ليس بي ضلالة .. ولكني رسول من رب العالمين  ) قابل عليه السلام هذا السفه بالحلم رموه بالضلال فكان رده عليهم انه ليس به ضلال ولكنه رسول من الله فكان موقفه موقف المدافع عن نفسه وفقط وأن رميه بالضلال لم يوغر صدره من جهتهم بل أخذ ينصحهم ويدعوهم
* يقول تعالي ( قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين قال يا قوم ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت )
ففي هذه الآية انه اذا سئم المدعو من طول مدة الدعوة فليس للداعي أن يسأم فليعتمد علي الله تعالي لان ذلك يملأ قلبه شجاعة وأملا واستهانة بكل ما يلاقي في سبيل الدعوة وقد ضرب لنا عليه السلام أروع الامثلة في ذلك فقد ظل يدعوا قومه ألف سنة الا خمسين عاما
* قد يقول قائل ان نوحا دعا علي قومه ( رب لا تذر علي الارض من الكافرين ديارا ) فالحقيقة انه دعا علي قومه ولكن .. كان هذا بعد ان دعاهم تسعمائة وخمسين عاما دون تضجر
كان هذا بعد ان اخبره المولي سبحانه ( انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن )
وحينما انتهي من دعائه قال ( رب اغفر لي ) فيما صدر عني من ترك الأفضل وهو دعوتهم بدلا من أن ادعو عليهم
فلنا في هذا الطريق اسوة حسنة من اعادة الشبهات والاتهامات ولكن علينا ان نتأسي بنوح عليه السلام في تعامله معهم وتحمله كل هذه المشاق والمتاعب
 

الخلاصة ::
1 - المنتفعون في كل زمان واصحاب الجاه هم من يحاربون دعوات الاصلاح
2 - المنتفعون يصفون المؤمنين بدعوات الاصلاح بانهم القلة المندسة والتي ليس لها رأي ومنساقة كالقطيع
3 - الاتهامات هي نفس الاتهامات في كل زمان ( غرض الداعي هو السلطة , ليس للداعي من فضل , الاتهام بالكذب , الاتهام بالضلال الواضح , السخرية والاستهزاء )
4 - الداعي الي الله عليه ان يقابل الاساءة بالحسني والسفه بالحلم وان يتحمل كل ما يلاقيه من المشاق والمتاعب
5 - ليس للداعي ان يسأم من طول مدة الدعوة حتي وان سأم المدعو منها ....

هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالي وحده وما كان من خطا او جهل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان
واعوذ بالله ان اذكر به وانساه وأعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون منه الي الجنان ويقذف به في النيران
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار علي الوجه الذي يرضيك عنا
امين امين امين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

لمتابعة الحلقة الاولي

هناك تعليق واحد:

  1. فتح الله عليك
    ديما كده تتحفنا بابداعاتك

    ردحذف