الأحد، ديسمبر 29، 2013

طريق هود عليه السلام (3)



بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله صلي الله عليه وعلي اله واصحابه ومن والاه والله أكبر ولله الحمد

تكلمنا في الحلقة السابقة  عن أول طريق طريق نوح عليه السلام الداعية الاول ووجدنا ان
من حاربه هم المنتفعون وان هؤلاء المنتفعين قد وصفوا المؤيدين لسيدنا نوح بأنهم قلة ليس لها رأي ومنساقة وراء من يريد السلطة الذي لم يروا له أي فضل عليهم وانه ليس سوي كاذب ضال وقابلوه بكل سخرية

ووجدنا أيضا كيف قابل سيدنا نوح كل هذه الاتهامات بالحسنى والحلم وكيف تحمل كل هذه المتاعب وكيف أنه لم يسأم عليه السلام من طول مدة دعوته -  التي استمرت الف سنة الا خمسين عاما - علي الرغم من أن قومه هم من سأموا منها .....
 

* نبدأ بفضل الله تعالي في هذه الحلقة الكلام عن طريق اخر وهو طريق سيدنا هود عليه السلام الذي أرسله الله تعالي في عاد ارم وهم أول قوم بعد طوفان نوح عليه السلام
وبعد دراسة ما جاء عن قوم هود في مواضع القران الكريم تبين :
* كما وصف المولي سبحانه وتعالي آنفا المعارضين من قوم نوح بالملأ وكما قلنا ان المقصود بها هم الاشراف والسادة وأصحاب الجاه وصف الله تعالي عاد بهذا الوصف صراحة فقال تعالي (وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ) حيث أن قوم عاد كانوا في ترف ورغد من العيش مما يؤكد لنا حقيقة أن من يحارب جميع الدعوات في كل زمان هم المترفين المنعمين المنتفعين وأصحاب الجاه ..

* أنكر نبي الله هود علي هؤلاء المترفين بعثرة الأموال واضاعة الثروات فقال عليه السلام (أتبنون بكل ريع اية تعبثون )
البناء في حد ذاته ليس شيئا مستنكرا ولكن المستنكر هو ذلك العبث وما أكثر هؤلاء في زماننا وما أضيع المال في أيدي هؤلاء العابثين – ولا حول ولا قوة الا بالله -

* الأدهى من ذلك العبث أنهم كانوا يظنون بهذه الأبنية والمصانع الضخمة أنهم سيخلدون فيها ونسوا الموت قال تعالي على لسان نبيه هود ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون )
* تميز هؤلاء القوم بانهم كانوا قساة القلب غلاظ اذا سلطوا علي من هم دونهم في القوة قال نبي الله هود لهم ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) كان بطشهم بهم بطش الجبابرة لا يرعون لهم عهدا ولا يعملون لجوارهم حسابا وما هذا منا ببعيد أقاموا العذاب ألوانا فيميتوا الاطفال والنساء والشيوخ ويعتقلون الطلاب والبنات ويهتكون حرمات البيوت
* امتاز هؤلاء القوم بصفة الاستكبار قال تعالي علي لسانهم (قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد اباؤنا ) أنكروا عليه ان يجيئهم بشيء جديد عن ما كانوا عليه هو وآباؤهم ( قالوا سواء علينا اوعظت أم لم تكن من الواعظين .. ان هذا الا خلق الاولين ) استكبروا عن الاعتراف بالخطأ الذي يرتكبونه وتمادوا في هذا الخطأ
* ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) ترينا الآية الكريمة أن اولئك الذين أنكروا آيات الله لا عن شبهة في انفسهم بل الذي حملهم علي الانكار هو الظلم والجحود والاستكبار أما قلوبهم فهي مستيقنة بها مقتنعة بأحقيتها
وتأكيدا قول الله تعالي ( ما يقال لك الا ما قيد قيل للرسل من قبلك ) قال الله تعالي لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم أيضا ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)

* كان هذا الجحود سببا من أسباب استحقاق هؤلاء القوم للعنة في الدنيا والاخرة ( وتلك عاد جحدوا بايات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد ... واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة )
ولكن السبب الاهم هو التبعية للجبار حينما استمعوا الي كبرائهم ورؤسائهم أطاعوهم فأضلوهم السبيل

اتبع قوم عاد كل متسلط عليهم أو متغلب معاند لا يسلم بحق وهم مسئولون أن يتحرروا من سلطان المتسلطين فكان جزاؤهم علي ذلك الجحود وتقليد الرؤساء أن اتبعوا لعنة وبعدا عن رحمة الله في الدنيا واخري يوم القيامة – وسبحان الله التاريخ يكرر نفسه -
* لم يسلم نبي الله هود عليه السلام من اتهاماتهم فقد اتهموه بالسفه ( انا لنراك في سفاهة وانا لنظنك من الكاذبين ) وقابل نبي الله هود هذه الاتهامات ايضا كما قابلها اخوه نوح من قبل قابل هذا التعدي بالحلم والحسني ( قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين )
* ولكن مقارنة بدعوة نوح عليه السلام فاتهام نوح كان أشد من إتهام هود فقد اتهم نوح بالضلال المبين
وذلك لان نوحا عليه السلام استخدم مع قومه اسلوب الترهيب وقال لهم ( اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) وانشغل عنهم بعمل السفينة أما هود عليه السلام لم يستخدم هذا الاسلوب فقال لهم فقط ( أفلا تتقون )واستخدم اسلوب النصيحة فقال ( وأنا لكم ناصح أمين ) فالكثير من الناس ينفر دائما من أسلوب الترهيب

* وهناك اتهام اخر الذي يدل علي جهل مفرط ( ان نقول الا اعتراك بعض الهتنا بسوء ) ولكن كان رد نبي الله هود عليهم (
قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ) قالها في ثبات وثقة انه لا يبالي بهم وبكيدهم وان تعاونوا عليه جميعا وهم الاقوياء
وتلك هي صفة الداعين الي الله ذهب من قلوبهم هيبة الظالمين وخشية المفسدين لان قلوبهم امتلأت بالخشية من الله والخوف منه ولأنهم واثقون بضعف كيد الشيطان وأنصار الباطل
* (إني توكلت على الله ربي وربكم ) ثم ذكر توكله على الله معلما أنه ربه وربهم ، ومفوضا أمره إليه تعالى ثقة بحفظه وانجاز موعوده
الخلاصة ::
1 -   في كل زمان من يحارب الدعوات هم المترفون أصحاب المال والثروات والجاه والسلطان
2 -  المترفون يتصفون ببعثرتهم للمال ويظنون أنهم سيخلدون في الدنيا
3 -  تميز المترفون بأنهم كانوا شديدي البطش مستكبرين عن الاعتراف باخطائهم وأخطاء آبائهم
4  - اتباع الجبابرة الطغاة المتسلطين المتغلبين لا يجلب الا لعنة الله والطرد من رحمته في الدنيا وفي الاخرة
5 -  اقتضت حكمة الله انه لابد ان يتهم أي داع الي الاصلاح ولكن لابد وأن يقابل الداعي هذه الاتهامات بالحسني والحلم
6 -  علي الداعي الي الله تعالي أن يتسم بالثبات والثقة في نصر الله تعالي وان تأخر النصر وعليه أن يتوكل علي الله تعالي وحده 
 
هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالي وحده وما كان من خطا او جهل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان
واعوذ بالله ان اذكر به وانساه وأعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون منه الي الجنان ويقذف به في النيران
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار علي الوجه الذي يرضيك عنا
امين امين امين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

لمتابعة الحلقة الأولي
الدعوة الي الله طريق الانبياء
لمتابعة الحلقة الثانية
بداية الطريق نوح عليه السلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق