الجمعة، يونيو 03، 2011

أصلح نفسك وادع غيرك ( لا تمنعك ذنوبك )


يعتقد البعض أن الدعوة الي الله تعالي تحتاج الي اصلاح النفس اولا...  قبل ان يدعو الداعي غيره
والحقيقة ان هذا الاعتقاد خاطئ جدا لان الدعوة تربية للنفس.. فإذا أردت أن تزكو بنفسك، فادع غيرك لأن مقومات تنمية النفس هي ذاتها مقومات الدعوة.. فمن دعا وحقق في أثناء دعوته مقوماتها؛ فهو تلقائيا يُصلح نفسه وينميها ويزكيها.. هكذا بكل بساطة

*** سنة الله في خلقه ان يصلح الانسان نفسه في نفس الوقت الذي يدعو فيه غيره ( ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب)
فعند التفكر في السماوات وما فيها نجد ان القمر يدور حول نفسه في نفس الوقت الذي يدور فيه حول الارض والارض تدور حول نفسها في نفس الوقت الذي تدور فيه حول الشمس ......!!!


 يقول الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري عند شرحه لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن: “يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا” (أخرجه البخاري)
...... وكذلك الإنسان في تدريب نفسه على العمل إذا صدقت إرادته لا يشدد عليها؛ بل يأخذها بالتدرج والتيسير، حتى إذا أنست بحالة ودامت عليها نقلها إلى حال آخر، وزاد عليها أكثر من الأول، حتى يصل إلى قدْر احتمالها، ولا يكلفها بما تعجز عنه
*** فالخلاصة إذن أنَّ الذي يدعو يفعل من الوسائل الدعوية لغيره ما هي نفسها وسائل تربوية لنفسه.. فهو يدعو ويتربى

ولينظر المدّعي الي سيدنا أبو بكر رضي الله عنه في أول ليلة من اسلامه اسلم علي يده ستة من أعظم الصحابة وقد بشرهم النبي صلي الله عليه وسلم بالجنة فيما بعد
ولينظر أيضا الي سيدنا نعيم بن مسعود الأشجعي من أول يوم كان سببا في نصر الاسلام حيث جاء الي النبي وقال له يا رسول الله اني حديث عهد بالاسلام فقال له النبي بحكمة خذل عنا ما استطعت لم يقل له النبي أصلح  نفسك أولا وانما قال له افعل ما تستطيعه


أخي الحبيب، الذنب لا يمنع الدعوة

قال الإمام القرطبي في هذا المعنى عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} (آل عمران: 21)
 ليس من شرط الناهي أن يكون عدلا عند أهل السنة لأن العدالة محصورة في القليل من الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء في الآية عاما في جميع الناس -أي يريد أن يقول: وهل يأمر الله تعالى بشيء لا يمكن إلا لقليل من الناس فقط أن يقدروا عليه ويفعلوه، ثم يقول في الآية: إن الأمر بالقسط على من يستطيع من الناس جميعا؟!!- فإن تشبثوا بقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}، ونحوه.. قيل لهم: إنما وقع الذم هاهنا على ارتكاب ما نُهيَ عنه لا على نهيه عن المنكر.

وقال الإمام ابن كثير مؤكدا هذا أيضا ومضيفا عليه عند تفسيره لقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} (البقرة: 44)
نبههم على خطئهم في حق أنفسهم؛ حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له.. فكلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر ......  والصحيح أنَّ العالِم يأمر بالمعروف وإنْ لم يفعله وينهى عن المنكر وإنْ ارتكبه
وذلك لأنه من البديهي ألا ينهى الله تعالى عن نشر الخير! وإنما الذي يُعقل أن ينهى عن معصية ناشره.. فلينشره إذن وليمتنع في أثناء ذلك عن معصيته مع الوقت! إذ ليس بعاقل من يُدخِل الناس جميعا الجنة وينسى نفسه أن يُدخِلها معهم


ثم لو كان المطلوب من الآية الكريمة أن ينتظر الداعي حتى لا يكون فيه شيء من خطأ؛ فقد ينتظر طويلا، حتى الموت، ولا يدعو أحدا! لأنَّ كل بشر مُعرَّض لأن يخطئ،

( ما كمل شئ الا ونقص ) وقد قال الله تعالي ( فلا تزكوا أنفسكم ) فمتي يستطيع الفرد منا ان يصف نفسه بالصلاح ؟؟؟؟!!!!
واقول ما قاله الله تعالي في سورة الكهف ( قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا .. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )

 والله يعلم عن خلقه ان كل منهم معرض لان يخطئ  ويقبله منهم ويعذرهم عليه ويثيبهم على تصحيحه؛ لأنه خلقهم هكذا لينتفعوا من أخطائهم في مستقبلهم؛ فتقل تدريجيا وتنعدم؛ فيسعدون في الداريْن، ولا يعد هذا أبدا بأي حال كذبا عليه سبحانه أو على النفس والآخرين أو انعدام حياء منه أو منهم.. فمن استسلم لخطئه ولم يعالجه سريعا كما هو مطلوب منه وأعاقه عن دعوته كان مخطئا بحق وبكل تأكيد

وقد حدث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء
وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشَخير: يا مطرف عظ أصحابك. فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل- فقال الحسن: يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول؟؟ لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلمِ يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر
وقال الحسن أيضًا: أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم وإني لكثير الإِسراف على نفسي غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمِن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعُدم الواعظون، وقلَّ المذكرون ولما وُجِد من يدعو إلى الله جل ثناؤه ويرغَب في طاعته وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فألزموا - عافاكم الله- مجالس الذكر، فرب كلمة مسموعةٌ ومحتقرٍ نافعٌ



من ذا الذي ما ساء قط .......ومن له الحسني فقط ؟
محمد خير الورى ....... من عليه الوحي هبط


بل إن الدعوة أخي الحبيب تزيح الذنب وآثاره :

ألم يقل الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: 114)
وألم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “وأتبع السيئة الحسنة تمحها” (جزء من حديث أخرجه الترمذي)
وهل هناك حسنة أفضل وأعظم من الدعوة؟! كما أكد ذلك سبحانه في قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33)

****  فعليك أن تستفيد من الذنب إصرارا على عدم العودة له بعدما ذقت مراراته وتعاساته، وإصرارا على زيادة دعوتك لغيرك حتى لا تعود أنت إليه أو يصير هو له لتسعدوا جميعا




هناك 6 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا

    ردحذف
  2. ماشــــــــــــــــاء الله عليك ،ربنا يزيد يابنى والله

    ردحذف
  3. بارك الله فيك , ماشاء الله فعلا مقال رائع

    ردحذف
  4. معذرة ع الاطالة فالموضوع كبير
    ولفت انتباهي حديث رسول الله في مسند الامام أحمد ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )
    ولفت انتباهي اكثر حديث ابي هريرة في صحيح مسلم ( لو لم تذنبوا لذهب بكم ولجاء بقوم اخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم )

    فلماذا نمنع أنفسنا من الدعوة ومتي تنتهي حجة الاصلاح متي يقول الانسان علي نفسه انه أصبح تام الصلاح ؟؟؟؟؟؟

    ردحذف
  5. جزاك الله خيرا الموضوع فعلا مهم جدا فكثيرا ما الإنسان يمتنع حقا عن الدعوة إلي الله من منطلق انه ملئ بالعيوب
    اللي انا فهمته اني الانسان يدعو إلي الله ولكن يحاول علي قدر الإمكان ان يفعل ما يأمر به ولكن ما الحكم إذا إذا نهي عن شئ وبعد ذلك وقع فيه مثلا إذا نصحت اخت لي في الله عن عدم سماع الأغاني وإذا بي اسمع اغنية مثلا

    ردحذف
  6. الاخ او الاخت اللي بتسأل أقول لها {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}وقع الذم هاهنا على ارتكاب ما نُهيَ عنه لا على نهيه عن المنكر.
    ليس كما قلت يحاول بقدر الامكان وانما يجب علي الداع أن يلتزم بما يدعو به

    ردحذف