الاثنين، فبراير 17، 2014

طريق كليم الله .. من بعثته الي يوم الزينة (9)



بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله صلي الله عليه وعلي اله واصحابه ومن والاه والله أكبر ولله الحمد

تكلمنا في الحلقة السابقة  عن بداية طريق كليم الله موسى من نشأته الي بعثته ووجدنا أن مهمته عليه السلام كانت من أشق المهمات لأن فرعون كان مثلا للاستبداد ولان بني اسرائيل ألفوا الذل وعاشوا في الاستعباد ووجدنا أن الله تعالي وصف فرعون في القران الكريم بأبشع وأحط الصفات من علو واسراف وطغيان وضلال وافساد وظلم وقهر ووجدنا كيف أن الطاغية جعل أهل مصر شعبين يقتل شعبا منهم ويستعبده
ووجدنا أن الضعيف لا يبقي ضعيفا والقوي لا تدوم قوته ووجدنا أن وعد الله لا يتحقق الا بعد تنفيذ أوامره حتي وان كانت علي غير المعقول او علي غير هوى النفس
ووجدنا انه لا مانع للداعي الي الله ان يفر من طغيان وبطش الطغاة اذا خاف علي نفسه ودعوته
ووجدنا كيف بحث نبي الله موسى عن ما ينقصه في اتمام دعوته وطلب من الله أن يرزقه اياها


نتكلم في هذه الحلقة عن طريق كليم الله موسى عليه السلام من بعثته الي يوم الزينة  وبعد دراسة ما جاء في القران الكريم عن بعثة نبي الله موسى تبين أنه :


* أرسل المولي سبحانه وتعالي نبيه موسى الي فرعون وملائه فقال تعالي ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الي فرعون وملائه فقال اني رسول من رب العالمين ) ولم يقل سبحانه الي فرعون وقومه لأن فرعون ورجال دولته هم الذين كانوا مستعبدين لبني اسرائيل وبيدهم امرهم

* كانت دعوة موسى عليه السلام انقاذ للناس من ظلم فرعون وبطشه ولكن كان رد ملأ فرعون وحاشيته ( قال الملأ من قوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ) بلغ من حماقتهم أن جعلوا الاصلاح الذي يدعو اليه موسى افسادا فإن كان فيه افساد فالحقيقة هو افساد سياستهم واحباط تدبيرهم وهذا فعل بطانة السوء - وسبحان الله -  لولا علمهم أن ذلك الفعل يتفق وهوى صاحبهم الطاغية ما قالوه

* كالعادة ... تقابل جميع الدعوات بالاتهامات و الاتهام الأبرز ( قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ) حينما عرفوا أن الحق مع موسى أخذوا في الدور الاعلامي الحقير وهو تحريض فرعون من ناحية ملكه وتأليبه من جهة سلطانه وعظمته وهذا هو اعلام فرعون الان يستخدم نفس الاسلوب - ولا حول ولا قوة الا بالله -

* اتهام اخر اتهام بالجنون ( ان رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون ) يقول إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله لأنه يقول قولا لا نعرفه ولا نفهمه

* وكما اتهم اخيه نوح من قبل يتهم نبي الله موسى أنه لا يريد بهذه الدعوة الا الكبرياء والسلطة ( وتكون لكما الكبرياء في الارض وما نحن لكما بمؤمنين ) لم يكتفوا بتكذيبهم له ولدعوته وانما ارادوا ان يشككوا فيها وأنها دعوة الي الملك لا دعوة الي الاصلاح وان يحرضوا الناس علي موسى واخيه هارون وان يوهموهم انهم طلاب شهرة وكبرياء لا طلاب حق ورسالة - وسبحان الله -

* بعد الاتهامات يأتي الاستهزاء والتسفيه هذا ما حدث مع جميع الدعاة الي الله ( فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون ) قابلوا الرسالة بالضحك والاستهزاء وقال فرعون عن نبي الله موسى ( ام أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) وصفه فرعون بالضعف والتقليل من شأنه وأنه ليس معه من العدد والات الملك والسياسة
 
* وكالعادة أيضا حينما لا تأتي الاتهامات والاستهزاء بنتيجة يلجأ الطغاة الي التهديد ( قال لئن اتخذت الها غيري لأجعلنك من المسجونين ) يبدو أن مصر علي موعد مع السجن ظلما عند انقطاع الحجج فها هو نبي الله يوسف سجن ظلما علي الرغم من ثبوت براءته وهذا نبي الله موسى عليه السلام يهدد بالسجن ان لم يذعن لفرعون - وسبحان الله - هذا ما يفعله طغاة وحكام مصر علي مر الازمان والعصور  

* ( ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الارض الفساد ) في الحقيقة ان الطاغية لا يحتاج ذلك التفويض لكي يقتله فهو قد قتل من قبل الكثير والخطير في الأمر انه اعلن أن السبب في قتله لموسى أنه يخاف أن يفسد في الارض أو كما قال طاغية اليوم أن يخشى الارهاب المحتمل - ولا حول ولا قوة الا بالله -

* ( فما آمن لموسى الا ذرية من قومه علي خوف من فرعون وملائه أن يفتنهم ) يبدو أن هذه سنة مع أهل مصر أنهم لا يتبعون دعوات الاصلاح لا لأنها خاطئة وانما خوفهم هو ما منعهم والاغرب من هذا وصف القران الكريم لمن آمن بموسى عليه السلام الذرية وهم الشباب فالشأن في الاباء أن تكون حريصة علي التقاليد اما الشباب فلم يتأثر بتلك العادات لذلك كان المؤمن من بني اسرائيل لمبادئ موسى ذرية لا شيوخ معمرين فهذه الذرية التي امنت بدعوة موسى وسيف فرعون مسلول علي من يؤمن واحكامه العرفية مشهورة علي الرغم من أن فرعون كان متغلبا قاهرا لهم امنت ايمانا تمكن من النفس فلن ينفع معه تهديد ولا وعيد ايمان واثق بالله تعالي

*  بعد أن جمع الطاغية فرعون سحرته من كل المدائن ليستعين بهم علي دعوة نبي الله موسى كان نبي الله موسى واثقا من نصر الله تعالي له فقال لهم ( ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ) هذا ما يجب أن يكون عليه الداعي الي الله تعالي من ثقة في نصره

* والاروع  في قوله عليه السلام ( ان الله لا يصلح عمل المفسدين ) فهذه اية من آيات الله تعالي في المفسدين الا يوفقهم لخير ولا يعينهم علي حق واذا دبروا أمرا في سبيل الشيطان والهوى لابد أن يغفلوا عن مواطن ضعف في هذا التدبير تقضى علي تدبيرهم وتذهب بباطلهم وهذه ثقة نبي الله موسى عليه السلام

* ( قالوا امنا برب العالمين ) في هذه الآية عبرة لمن يحاول صرف الناس عن الحق فهذا فرعون جمع السحرة من المدائن ووعدهم بالقربي والاجر اذا هم غلبوا موسى فيكونوا أول من يؤمن بدعوته أمام الناس - وسبحان الله - ( وما يعلم جنود ربك الا هو )  

* حينما امن السحرة بدعوة الحق اتجه فرعون بما وجهه لنبي الله موسى اليهم فكان الاتهام , اتهمهم بالتواطؤ مع موسى ورماهم بالمكر والخديعة لفرعون ومن معه ليخرجوا من المدينة أهلها ( ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها )

* بعد الاتهام لجأ الي الوعيد والتهديد ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ) وعيد يحاول به فرعون أن يلفت به باقي المصريين لئلا يتبعوا السحرة في الايمان بموسى وكذلك يفعل كل مستبد في شعب يخاف

* ولكن كان ردهم علي هذا التهديد بكل ثقة ( انا الي ربنا لمنقلبون ) توعدهم فرعون بذلك الوعيد وهددهم بذلك التهديد فأجابوه بثبات أنهم لا يبالون بما يريد أن يفعله معهم من قتل وصلب لأنهم راجعون الي ربهم يرجون مغفرته ورحمته بهم فتعجيل قتلهم سبب لقرب لقائه تعالي

* ثم لجأوا الي الدعاء ( ربنا افرغ علينا صبرنا وتوفنا مسلمين ) دعوا ربهم أن يرزقهم الصبر الذي يعينهم علي احتمال المكاره والالام بدون ضجر ولا صخب  

* حينما هدد فرعون الفرقة المؤمنة بالقتل قال لهم نبيهم موسى عليه السلام ( استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين  ) استعينوا بالله علي هذا الطاغية واصبروا علي ايذائه فإن الارض هي ملك لله تعالي وحده واراد نبي الله أن يفهم قومه ان العاقبة ستكون لهم بإرث الارض بشرط أن يكونوا من المتقين


الي هنا نكتفي وعلي رجاء ان يوفقنا الله تعالي لاستكمال هذا الطريق الذي فيه العديد من العبر والعظات في الحلقة القادمة بإذن الله تعالي

الخلاصة ::

 
1 - بطانة السوء دائما تفعل ما يكون علي هوى الطاغية فاتهموا موسى بالفساد في الارض
2 - اتخذوا دورا اعلاميا في تحريض فرعون وتحريض الناس علي الفئة المؤمنة بكيل الاتهامات الباطلة لهم
3 - تقابل جميع الدعوات علي مر الأزمان بالاتهامات فاتهم موسى عليه السلام بأنه ساحر واتهم بانه مجنون واتهم بأنه يريد بهذه الدعوة السلطة والكبرياء
4 - كما قابلوا دعوته عليه السلام بالاستهزاء والضحك والاستهانة من شأنه
5 - كالعادة أيضا بعد نفاذ الحجج يلجا الطغاة الى التهديد والوعيد
6 - طغاة مصر دائما يلجئون الي السجن ظلما
7 - الشباب دائما هم الاقرب من الشيوخ في الايمان بدعوات الاصلاح لأنهم لم يتأثروا بالعادات والتقاليد
8 - لابد ان يكون الداعي الي الله واثقا من نصره
9 - الله تعالي لا يوفق المفسدين لعمل خير ولا يعينهم علي حق
هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالي وحده وما كان من خطا او جهل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان
واعوذ بالله ان اذكر به وانساه وأعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون منه الي الجنان ويقذف به في النيران
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار علي الوجه الذي يرضيك عنا
امين امين امين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

لمتابعة الحلقة الاولي : الدعوة الي الله طريق الانبياء
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثانية : بداية الطريق .. نوح عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثالثة : طريق هود عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الرابعة : طريق صالح عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الخامسة : طريق أبي الأنبياء
اضغط هنا


لمتابعة الحلقة السادسة :  طريق لوط عليه السلام
اضغط هنا



لمتابعة الحلقة السابعة : طريق خطيب الأنبياء
اضغط هنا


لمتابعة الحلقة الثامنة : طريق كليم الله من نشأته الي بعثته
اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق