الاثنين، يناير 13، 2014

طريق أبي الأنبياء ( 5 )




بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله صلي الله عليه وعلي اله واصحابه ومن والاه والله أكبر ولله الحمد

تكلمنا في الحلقة السابقة  عن طريق صالح عليه السلام الذي أرسله الله تعالي في ثمود ووجدنا أنه ليس ذنبا للداعي أن يتفرق الناس حوله بل ويختصمون ووجدنا كيف ان المنتفعين اتخذوا دورا اعلاميا من تشكيك وتهكم واستهزاء من دعوات الاصلاح وكيف يتحول الداعي من مرجو الي غير مرغوب فيه
ووجدنا ان الرضا والتواطؤ والسكوت عن الاثم هو مشاركة فيه
ووجدنا كيف ان الداعي الي الله تعالي يحب أن يهدي الله قومه جميعا فيبذل قصارى جهده لذلك ويحزن اذا فاته هدايتهم
ووجدنا ان تدبير الله ومكره فوق تدبير البشر والله خير الماكرين

نتحدث في هذه الحلقة عن طريق جديد من طرق الدعوة الي الله تعالي طريق أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام :


* أبو الأنبياء ابراهيم عليه السلام هو أول من أعلن التوحيد إعلانا باقيا لبنائه هيكل للتوحيد وهو ( الكعبة )
 * وصفه الله تعالي بقوله ( ان ابراهيم كان أمة ) القرآن الكريم يرسم إبراهيم عليه السلام نموذجا للهداية والطاعة والشكر والإنابة لله
ابتلاه الله تعالي علي كل المستويات ..
- ابتلاه علي المستوى الشخصي ( قالوا حرقوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين )
- ابتلاه في أبيه فكان  من أشد المجادلين له ( واذ قال ابراهيم لأبيه اذر أتتخذ اصناما الهة اني اراك وقومك في ضلال مبين )
- ابتلاه في ابنه فأمره الله تعالي بذبحه ( يا بني اني ارى في المنام أني اذبحك )
- ابتلاه في زوجته فأمره الله تعالي بتركها ورضيعها ببلد ليس فيها لا زرع ولا ماء ولا بشر وهي تقول له آلله أمرك بهذا ؟ قال نعم
كل هذه الابتلاءات وكان صلي الله عليه وعلي نبينا صابرا شاكرا طائعا لذلك استحق ان يكون أحد اولي العزم من الرسل فكان عليه السلام أمة يجمع بين كل الابتلاءات التي يمكن ان يبتلي بها انسان
* وصف الله تعالي ابراهيم أيضا في قوله تعالي ( واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا ) والصديق هو صيغة مبالغة من الصدق ووصفه الله تعالي بهذه الصفة لفرط صدقه في امتثال ما يكلفه الله تعالي لا يصده عن ذلك أي شيء وتلك الصفة هي ما يجب أن يكون في الدعاة الي الله تعالي
 
* قال تعالي ( اذ قال لأبيه يا أبت ) نستفيد من هذه الآية الكريمة ان أحق الناس بإبداء النصيحة وإخلاصها هو الأب والأقربين كما قال تعالي لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وأنذر عشيرتك الأقربين )
فالأب قد أحسن الي ولده كل الاحسان بالتربية فكان من اللائق مكافأة علي ذلك الاحسان وإن أكبر احسان هو دعوته الي ما فيه سعادته وانقاذه من عذاب الله
 
* كرر نبي الله ابراهيم قوله له يا أبت في كل جملة قالها له مما يؤكد ان الدعوة الي الله تعالي تكون بألطف العبارات وأحسن الإشارات ونري في ذلك أدبا جما وتلطف غير محدود من نبي الله ابراهيم في دعوته

* ابتدأ ابراهيم عليه السلام دعوته بالحجة الراجحة اذ قال ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) ولذلك اتصف عليه السلام بالحجة فقال تعالي ( وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم علي قومه ) وذلك حينما قال لقومه ( فاسألوهم ان كانوا ينطقون ) ..  فكم تغلب أبو الأنبياء علي قومه بذلك الاسلوب الساحر وأعجب من ذلك ما جاء علي لسانه عليه السلام حينما حاج النمرود ( فأت بها من المغرب  ) فقال الله تعالي معقبا علي ذلك الاسلوب ( فبهت الذي كفر ) .

* لم يصف أبو الانبياء أباه بالجهل المفرط ولم يصف نفسه أيضا بالعلم الفائق وانما قال له ( اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ) وكم نري من الدعاة اليوم من يحتكر العلم لنفسه ويصف غيره بأنه الجهول لمجرد فقط اختلافه معه في الرأي -  ولا حول ولا قوة الا بالله -

* قال أبو الأنبياء ابراهيم لأبيه ( اني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) هذه هي صفة يجب أن يتحلى بها الدعاة الي الله انهم يخافون علي قومهم جميعهم من عذاب الله تعالي ويتمنون الهداية والصلاح لكل الناس

* ( قال أراغب أنت عن الهتي يا ابراهيم .. لئن لم تنته لأرجمنك .. واهجرني مليا ..... قال سلام عليك .. سأستغفر لك ربي ) في هذا المشهد قابل ابو ابراهيم دعوته وتلطفه معه في قوله يا أبت بقوله متهكما وبكل قسوة  يا ابراهيم وهدده بالرجم وأمره بالهجران .. ولكن نبي الله ابراهيم لم يقابل هذا بمثله .. لا جدال ولا اذى ولا رد للتهديد أو الوعيد وانما تركه مستغفرا له

* لما انقطع قوم ابراهيم وغلبوا عدلوا عن الجدل والمناظرة ولم تبق لهم حجة ولا شبهة الي استعمال قوتهم وسلطانهم لينصروا ما هم عليه من سفهم وطغيانهم ( قالوا ابنوا له بنيانا وألقوه في الجحيم )
* اراد قوم ابراهيم أن ينتصروا فغُلبوا وارادوا أن يرتفعوا فاتضعوا وأرادوا أن يغلبوا ففازوا بالخسارة ( وأردوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين ) ( فجعلناهم الاسفلين )
* حينما ألقي ابراهيم عليه السلام في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل قال ابن عباس رضي الله عنه : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا : ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) وأتبعها الله تعالي ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء )

* ( قالوا حرقوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي ابراهيم ) سنة الله تعالي مع الدعاة جميعهم اذا حزبهم الأمر وبلغت الشدة منتهاها أن يجيئهم النصر من عنده فينجو به المتقون ويخذل به المستكبرون والمعاندون

* حينما انقطعت السبل والطرق لأبي الانبياء ابراهيم  في اقناع قومه لجأ عليه السلام الي الدعاء الي الله تعالي ( واعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعو ربي عسى الا أكون بدعاء ربي شقيا ) الدعاء الي الله تعالي تجاهله البعض ونسوا ان الدعاء هو العبادة كما أخبرنا المعصوم صلى الله عليه وسلم
*  وصف الله تعالي نبيه ابراهيم بصفات في القران الكريم فقال ( ان ابراهيم لحليم اواه منيب )
وصفه بالحلم والحلم هي صفة في النفس ورجاحة في العقل والثبات والرصانة والتباعد عن العدوان ولا تنافي الانتصار للحق ولكن دون تجاوز للقدر المشروع

*ووصفه بأنه أواه و التأوه  اما انها شفقة علي النفس فتفيد الضراعة والاستغفار واما انها شفقة علي الناس فتفيد الرحمة بهم والدعاء لها وكلا المعنيين توفر في نبي الله ابراهيم عليه السلام

* ووصفه سبحانه بأنه منيب و الانابة هي التوبة وكثرة الرجوع الي الله تعالي
هذه هي الصفات التي وصف الله بها نبيه ابراهيم وهي ما يجب ان تتوفر في الدعاة الي الله عز وجل
 
الخلاصة ::
1 -  قدم أبو الأنبياء ابراهيم  نموذجا في الصبر علي الابتلاءات والطاعة والشكر والانابة الي الله تعالي ليكون قدوة لكل الدعاة الي الله
2 -  أحق الناس بإبداء النصيحة هم الاقربون وبالأخص الآباء
3 -  الدعوة الي الله تكون بألطف العبارات وأحسن الاشارات وبتأدب مع الناس
4 -  الدعوة تكون بالحجة الدامغة وليس بالجدال والمراء
5 -  لا ينبغي للداعي أن يصف غيره بالجهل ولا ان يصف نفسه بالعلم الفائق
6 -  يجب علي الداعي ان يخاف ان يمس الناس عذاب الله تعالي ويتمنى لهم الهداية
7 -  سنة الله مع الدعاة ان يجيئهم النصر من عنده اذا اشتد الامر وبلغ منتهاه
8 -  يجب أن يتصف الداعي الي الله بالحلم والتباعد عن العدوان والضراعة والاستغفار والرحمة بالناس والدعاء لهم والتوبة الي الله تعالي

هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالي وحده وما كان من خطا او جهل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان
واعوذ بالله ان اذكر به وانساه وأعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون منه الي الجنان ويقذف به في النيران
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار علي الوجه الذي يرضيك عنا
امين امين امين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

لمتابعة الحلقة الاولي : الدعوة الي الله طريق الانبياء
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثانية : بداية الطريق .. نوح عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثالثة : طريق هود عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الرابعة : طريق صالح عليه السلام
اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق