الاثنين، يناير 27، 2014

طريق خطيب الأنبياء (7)




بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله صلي الله عليه وعلي اله واصحابه ومن والاه والله أكبر ولله الحمد

تكلمنا في الحلقة السابقة  عن طريق نبي الله لوط عليه السلام ووجدنا فيها ان الداعي الي الله تعالي يجب أن يتفقد قومه ليعرف مواطن الجرائم ليعمل علي نهيهم عنها ووجدنا ان الفاحشة لم تكن فقط اتيان الرجال وانما كانوا يقطعون الطريق ويروعون الناس ويسلبون وينهبون
ووجدنا أيضا ان قوم لوط اتسموا بالتبجح والمجاهرة ووصفهم نبي الله لوط أنهم مسرفون ومتعديين بل ووصفهم بأنهم جاهلين وهي اسم جامع لأحوال قساوة القلب
لم يسلم نبي الله لوط من التهديد والوعيد فطالبوه بالانتهاء عن تقبيح أفعالهم القبيحة وإلا سيخرجونه من وطنه والعجيب أنهم سيخرجوه لأنه هو ومن معه يتطهرون ولكن نبي الله لوط أنكر صنيعهم ولجأ الي الله بالدعاء
ووجدنا ان نصر الله تعالي يأتي حينما يضيق بالداعي ويكون علي غير المتوقع 

نتكلم في هذه الحلقة عن طريق اخر من طرق الدعوة الي الله تعالي وهو طريق نبي الله شعيب عليه السلام الي أرسله الله الي مدين والذي كان يلقب بخطيب الأنبياء وبعد دراسة ما جاء في القران الكريم عن نبي الله شعيب تبين أنه :

* اتسم قوم نبي الله شعيب بالبخس وهو النقص بالتعييب  فقال لهم نبيهم ( ولا تبخسوا الناس أشيائهم )  وأكبر أنواع البخس ما نراه اليوم من رجال السياسة والأدب  وأكثر أهل العلم فأكثر أهل الأدب والسياسة بخاسون لحقوق صنفهم وينكرون علي غيرهم ما أعطاهم الله بباعث البغي والحسد والغرور  اذا نبغ أحد ليس علي شاكلتهم  لا يعترفون له بنبوغ ولا ينزلونه منزلته - ولا حول ولا قوة الا بالله -

* ( ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ) الافساد في الأرض يكون بالظلم وأكل أموال الناس بالباطل والبغي والعدوان علي الأنفس والاعراض وافساد الاخلاق والآداب بالإثم والفواحش الظاهرة والباطنة وافساد البلاد  بالجهل وعدم النظام

* وعند النظر في هذه الآية الكريمة ( ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ) نجد وكأن الاعراض عن دعوة الله تعالي وعداوتها هو افساد في الارض لان دعوتهم هي اصلاح لتحل لهم الطيبات وتحرم عليهم الخبائث

* كان أهل مدين في ثروة واسعة تغنيهم عن التطفيف وعن السلب والنهب لذلك قال لهم نبي الله شعيب ( اني أراكم بخير ) وقال لهم عليه السلام ( بقيت الله خير لكم ) أي ان رزق الله الحلال أفضل من السرقة ونهب الاموال والتطفيف ولكن آثر القوم السرقة والنهب والسلب والتطفيف عن رزق الله الحلال -  وسبحان الله - كأني أقرأ قصة اليوم

* اتخذ اهل مدين دورا إعلاميا فقد كانوا يجلسون في الطرقات يتوعدون المؤمنين ويصدون عن سبيل الله وعن دعوة نبي الله ويكيلون الاتهامات وبالسخرية منه ومن دعوته ونهاهم نبي الله شعيب عن هذا الفعل فقال ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من امن به )

* أراد هؤلاء الذين اتخذوا هذا الدور الإعلامي أن تكون الدعوة الي الله تعالي عوجا أي غير مستقيمة ولا مستوية ويريدونها علي هواهم وهذا ما أكده لهم نبي الله عيب قائلا ( وتبغونها عوجا )

* وكعادة جميع الدعوات الي الله تعالي يقابَل الداعي الي الله تعالي بالاستهزاء والتهكم فهذا نبي الله شعيب قالوا له ( يا شعيب أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) قابلوا دعوة نبي الله الجادة بكلمات المتهكم الساخر سخروا من نبي الله في عبادته وسخروا منه في أمره ونهيه
وتهكموا منه مرة أخري في قولهم ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) ارادوا أن ينسبوه الي غاية السفه والغي فعكسوا ليتهكموا به وتناسوا أن الرشد فيما دعاهم اليه

* قابلوا كلام نبي الله شعيب بالاستهانة به والتقليل من شأنه قائلين له ( ما نفقه كثيرا مما تقول ) لا نفهمه ولا نعقله لأننا لا نحبه ولا نريده ( وانا لنراك فينا ضعيفا ) لأنك وحدك ذليل لأن عشيرتك لا يؤمنون بك ( وما أنت علينا بعزيز ) وهذا هو عين الاستهانة والتقليل

* قابلوا أيضا دعوته بالاتهام بالسحر ( قالوا انما انت من المسحرين ) ولم يتوقفوا عند هذا الاتهام وفقط بل اتهموه أيضا بالكذب فقالوا له ( وان نظنك لمن الكاذبين )
واذا كان شعيب عليه السلام قد سحر في عقله فلماذا خافوا منه ولماذا ارادوا ان يعزلوه عن مؤيديه ولماذا كانوا يستخدمون أدواتهم الاعلامية ويقعدون في الطرقات يوعدون المؤمنين ويصدونهم أليس للناس عقول تعرف بها الحق ولكن لأنهم بداخلهم يعرفون أن دعوته هين عين الحق لذلك كان ردهم عليه بالجحود

* وكعادة جميع الدعوات الي الاصلاح أيضا كان الرد علي الداعي بالوعيد والتهديد ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ) بدلا من أن ينظروا في هذه الدعوة أهي حق أم باطل وهل هي دعوة الي مكارم الاخلاق أم دعوة الي مفاسدها وكأنهم يقولون لهم يجب أن تلغوا عقولكم وتنكروا انسانيتكم فلا يكن لكم الحق في أن تختاروا من الطرق أبينها ومن الادلة أقواها وفي هذه الأيام ملتهم أن لا يسمحوا لأحد أن يصيح في وجه الظالم ليطالبه بالعدل أو يرفع رأسه للمطالبة بحقه ...  ملتهم أن تبقي الناس عبيدا

* قابل نبي الله شعيب ما فعله قومه من تهكم واستهانة واتهام وتهديد برفض لهذا العرض رفضا قاطعا فقال بكل ثبات ( قد افترينا علي الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها ) انه افتراء ان يكون من مؤيدي الظلم
 ثم دافع عليه السلام عن نفسه وعن دعوته وبين حقيقتها الكاملة ( ان أريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله ) انما يريد نبي الله شعيب ان يصلح في البلاد ما استطاع اصلاحه ولا يعتمد في اصلاحه الا علي ربه فهو الذي يوفقه ويزيل من بين يديه عقبات الاصلاح

* ثم بين لهم عليه السلام أنه لا يطلب العون الا من الله تعالي ولا يتوكل الا عليه سبحانه ( علي الله توكلنا ) اليه وحده وكل أمره فهو يكفيه أمر تهديدهم وهكذا يجب علي الداعي الي الله تعالي ان يتوكل عليه في أن يصرف عنه أذى القوم ويحول بينه وبينهم ان ينالوه بسوء

* ثم تكلم معهم بكل ثقة في الله تعالي وفي نصره له ( اعملوا علي مكانتكم اني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا اني معكم رقيب ) سوف تعلمون الكذب من الصدق وانتظروا اني معكم منتظر وانا واثق من وعد الله ربي بالنصر وعنايته

* ثم لجأ نبي الله شعيب عليه السلام الي الله تعالي بالدعاء فقال ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) يطلب من الله بعد أن ادى ما عليه من بلاغ وبعد أن صبر علي ايذاء قومه أن يفصل بينه وبين قومه بالحق ...  ومن يهدي غير الله تعالي وقد قيل هذا لأشرف الخلق وسيد المرسلين ( انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )

* وفي النهاية تأسف نبي الله شعيب علي ما كان من قومه من تكذيب متمنيا ان لو كان الله تعالي قد أهداهم جميعا ولكن قومه لا يحبون النصيحة  ( فتولي عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )

الخلاصة ::
1 - اتسم اهل مدين بأنهم بخاسون للحقوق وتميزوا بالإفساد في الارض وأكل أموال الناس بالباطل
2 - مع انهم كانوا في رغد من العيش الا انهم لا يملكون القناعة وانما ظلوا يسلبون وينهبون
3 - اتخذ اهل مدين دورا اعلاميا يتوعدون المؤمنين ويصدون عن سبيل الله ويريدون بهذا ان تكون الدعوة علي هواهم
4 - كعادة جميع الدعوات يقابل الداعي الي الله بالاستهزاء والتهكم والاستهانة والتقليل من شأنه والاتهام بالسحر والكذب والوعيد والتهديد
5 - الداعي الي الله تعالي يقابل كل هذا بثبات وثقة ويبين حقيقة دعوته ويدافع عنها وأنه لا يريد بها الا الاصلاح ولا يتوكل في هذا الامر الا علي الله تعالي
6 - يجب علي الداعي الي الله أن يثق في نصر الله تعالي له وأن يلجأ اليه بالدعاء وأن يبذل ما في جهده لإبلاغ دعوته  

هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالي وحده وما كان من خطا او جهل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان
واعوذ بالله ان اذكر به وانساه وأعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون منه الي الجنان ويقذف به في النيران
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار علي الوجه الذي يرضيك عنا
امين امين امين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

لمتابعة الحلقة الاولي : الدعوة الي الله طريق الانبياء
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثانية : بداية الطريق .. نوح عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثالثة : طريق هود عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الرابعة : طريق صالح عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الخامسة : طريق أبي الأنبياء
اضغط هنا


لمتابعة الحلقة السادسة :  طريق لوط عليه السلام
اضغط هنا

هناك تعليق واحد:

  1. .جزاك الله حيرا وأعانك على البر والتقوى ونفع بك الأمه وجعله فى موازين حسانتك يوم نلقاه ما شاء الله طرحك رائع لكن لا ملاحظه عليك وإنما لفتة ألفت بها نظرك تربط ما يحدث اليوم فى المجتمع الإسلامى بهذا القصص يكون الارع وجزاك الله خيرا

    ردحذف