الاثنين، يناير 20، 2014

طريق لوط عليه السلام (6)





بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله صلي الله عليه وعلي اله واصحابه ومن والاه والله أكبر ولله الحمد

تكلمنا في الحلقة السابقة  عن طريق أبي الانبياء ابراهيم ووجدنا فيها كيف انه عليه السلام تحمل كل الابتلاءات التي ابتلاه الله به بكل صبر وشكر وطاعة لله ووجدنا أنه يجب علي الداعي  أن يكون صادقا فيما يكلفه الله تعالي به
وجدنا في دعوة ابي الانبياء ابراهيم ان الدعوة الي الله تعالي تكون بألطف العبارات وأحسن الاشارات وتكون الدعوة بالحجة الراجحة  ولا يجب علي الداعي ان يصف المدعوين بالجهل المفرط ولا أن يصف نفسه بالعلم الدامغ ويجب علي الداعي الذي يلاقي القسوة والتهكم ان يتقبل هذا وان يقابله بكل تلطف لا جدال ولا اذى ولا رد للتهديد او الوعيد
ووجدنا كيف ان الطغاة حينما يُغلبوا في الحجج يلجئون الي استعمال قوتهم وسلطانهم  ولكن سنة الله انه اذا بغت الشدة منتهاها يأتي النصر من عنده
ووجدنا انه يجب أن يتصف الداعي الي الله بالحلم والتباعد عن العدوان والضراعة والاستغفار والرحمة بالناس والدعاء لهم والتوبة الي الله تعالي 

نتحدث في هذه الحلقة عن طريق جديد من طرق الدعوة الي الله تعالي طريق لوط عليه السلام وبعد دراسة ما جاء في القران الكريم عن لوط وقومه تبين أنه :


* يجب علي الداعي الي الله تعالي ان يتفقد قومه ليعرف مواطن الضعف منهم والجرائم المتفشية فيهم ليعمل علي نهيهم عنها وتنفيرهم منها فالداعي الي الله تعالي كالطبيب الذي يعرف الداء فيصف الدواء المناسب له

* ( ولوطا اذ قال لقومه انكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) أطلق نبي الله لوط عليها فاحشة لأن النفوس السليمة تستفحشها وتعتبرها قبيحة الاعتداء علي فطرة الله تعالي في النسل سمي بالفاحشة فكيف بالاعتداء علي  النسل ذاته وعلي الارواح والممتلكات الخاصة انه
أفحش الفواحش

*  وصف لوط عليه السلام الفاحشة في قوله ( انكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ) لم تكن جريمتهم فقط هي اتيان الرجال وإنما كانوا يقطعون الطريق ويحذفون المارة ويسخرون منهم فينهبون الاموال ويروعون أهل الطريق لم يامن الناس من بطشهم - وسبحان الله - هذا ما يحدث الان  سلب ونهب وافساد في الارض ... هذا هو وصف الفاحشة .

* اتسم قوم لوط بصفة التبجح والمجاهرة بإتيان المعصية ( وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) جاءوا مجاهرين لا يكفهم حياء ولا يردعهم خُلق وأكده قولهم له ( مالنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد ) وفي النهاية قالوا لنبي الله لوط عليه السلام ( ائتنا بعذاب الله ) منتهي التبجح يجاهرون بما يفعلونه من فواحش ومعاصي  من سلب ونهب وتعدي علي الفطرة والارواح - وسبحان الله -
 
* وصفهم نبي الله لوط بصفات في القران الكريم لم يختلفوا عن نظرائهم هذه الايام هي بترتيب السور :
- ( بل أنتم قوم مسرفون ) والاسراف هو مجاوزة العمل مقدار أمثاله اي مسرفون في الباطل والجرم
- ( بل أنتم قوم عادون ) والتعدي هو تجاوز حد الحق الي الباطل
- ( بل أنتم جاهلون ) والجهل هنا بمعني السفه والطيش ووصفهم بهذه الصفة هي اسم جامع لأحوال قساوة القلب من اسراف وتعدي

* ( قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ) تهديد ووعيد  يطالبون نبي الله لوط بالانتهاء عن تقبيح أعمالهم وفواحشهم فإذا لم ينته عن ذلك النهي أخرجوه من بلده وحالوا بينه وبين وطنه

* ( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) من العجيب أن تكون الطهارة ذنبا يعاقب عليه صاحبه وينفي من بلده لأجله وأن تستقبح النفوس الحسن وتستحسن القبيح فقوم لوط عليه السلام جعلوا غاية المدح - الطهارة - ذنبا يقتضي الاخراج ولم لا وهم قوم يجاهرون بالمعاصي
 
* لم يكن من نبي الله لوط بعد التهديد الا انه أبغض عملهم وأنكر صنيعهم ( قال اني لعملكم من القالين ) ولجأ الي الله تعالي بالدعاء فقال عليه السلام ( رب نجني وأهلي مما يعملون ) الدعاء واللجوء الي الله تعالي الذي يفتقده كثير من الدعاة

* أنكر نبي الله لوط ما يريدونه منه وممن معه أنكر منهم هذا التعدي فقال لهم ( فاتقوا الله ولا تخذوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) وتفهم من هذا القول مقدار الضيق الذي كان عند نبي الله لوط  ثم يسألهم ألا يوجد بينكم رجل يهتدي الي الحق وفعل الجميل والكف عن السوء وهي كلمة ترددت كثيرا هذه الايام ألا يوجد في هذه المؤسسات الفاسدة رجل رشيد - وسبحان الله -  

* ( لو أن لي بكم قوة أو آوي الي ركن شديد ) تمني نبي الله لوط عليه السلام أن يكون قويا ليدفعهم او ان يأوي الى ركن شديد البأس خوفا علي ضيوفه فأوحي الله اليه علي لسان الرسل ( انا رسل ربك لن يصلوا اليك )  لم يقل الملائكة لن يصلوا الينا وسبحان الله يخاف نبي الله علي من معه ولا يخاف علي نفسه فيجيء نصر الله تعالي له وهذه سنة الله تعالي لما توقع نبي الله لوط أذى ضيفه وبلغ مبلغ الجذع ونفاذ الحيلة جاءه نصرالله  قال عز وجل ( حتي اذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا )

* لم يسلم نبي الله لوط عليه السلام من التجسس عليه فقد كان في بيته من يتجسس عليه وينقل أخباره الي من يحاربون دعوته وهي امرأته التي قال عنها الله تعالي ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ) فاستثني الله تعالي هذه المرأة فقال ( الا امرأتك انه مصيبها ما أصابهم ) ليرينا أن ما عند الله تعالي من رضا ورحمة لا ينال بنسب او قرابة للرسل وإنما ينال بالطاعة   ( فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين )

* أرسل الله تعالي علي قوم لوط حجارة من سجيل ليعذبهم بها في الدنيا قبل ان ينالوا عقاب الله في الاخرة وقال تعالي ( وما هي من الظالمين ببعيد ) اي وما هذه الحجارة التي أمطرها الله تعالي علي قوم لوط ببعيد من أي ظالم معتدي متعدي علي الناس وعلي حقوقهم وليست ببعيد علي من سلب ونهب وقتل ففي بعض الاثار ( ما من ظالم الا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة الي ساعة )
    ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار ) 
 
* قال تعالي مذيلا هذه الدعوة ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ..  وإنها لبسبيل مقيم ..  إن في ذلك لآية للمؤمنين ) إن آثار هذه النقم ظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته
الخلاصة ::
 1 -  الداعي الي الله تعالي كالطبيب يبحث عن مواطن المعاصي ليعالجها بالدعوة
 2 -  لم تكن جريمة قوم لوط التي استحقوا عليها وعيد الله وعذابه هي اتيان الرجال وفقط وانما كان التعدي علي اناس في الطرقات والسخرية منهم أيضا
 3 - اتصف قوم لوط بالتبجح في اتيان المعاصي واتصفوا بالتعدي والاسراف وقسوة القلب
 4 - اصبحت الطهارة والدعوة اليها ذنبا للدعاة ومن معهم يستوجب الاخراج من بلادهم ولا حول ولا قوة الا بالله
 5 - حينما يضيق بالداعي الي الله تعالي يأتي نصر الله تعالي له علي غير المتوقع
 6 - ما عند الله تعالي لا ينال بنسب وانما ينال بطاعته
 7 - عذاب الله تعالي ليس بعيدا من الظالمين ولكن ان الله ليملي للظالم حتي اذا اخذه لم يفلته  
هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالي وحده وما كان من خطا او جهل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان
واعوذ بالله ان اذكر به وانساه وأعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون منه الي الجنان ويقذف به في النيران
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار علي الوجه الذي يرضيك عنا
امين امين امين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين


لمتابعة الحلقة الاولي : الدعوة الي الله طريق الانبياء
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثانية : بداية الطريق .. نوح عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الثالثة : طريق هود عليه السلام
اضغط هنا

لمتابعة الحلقة الرابعة : طريق صالح عليه السلام
اضغط هنا


لمتابعة الحلقة الخامسة : طريق أبي الأنبياء
اضغط هنا

هناك تعليق واحد: